نداء الوثبة: راعي الغنم وانعاش الهوية السودانية

عدد الرئيس عمر البشير في نداء الوثبة السلام والحرية السياسية والنهضة الاقتصادية وانعاش الهوية السودانية كملامح اساسية لسودان المستقبل. اعجبتني بشدة فكرة ضم الهوية السودانية لخارطة الطريق هذه لتكسبها بعدا انسانيا يتعدى الاهداف المادية. وكانت الرسالة باختصار ان الهوية السودانية هي في الاصل مزيج متجانس اختلطت فيه نكهات جنوب الصحراء بشمالها ومذاقات غرب افريقيا بشرقها. وكان الهدف من النداء الحث على اعادة رتق النسيج السوداني بعد ان ترهل بفعل الحروب والنزاعات بما يخدم هدفي السلام والتنمية.  

ثم بعد ذلك بايام قليلة طفى على السطح مقطع الفيديو الشهير الذي حكى قصة راعي الغنم السوداني الطيب يوسف الزين الذي جسد مواصفات الانسان السوداني بجميع تفاصيلها. عاد بي المقطع من جديد الى بند انعاش الهوية السودانية لاجد ان الزاوية التي طرحت بها هذه القضية في نداء الوثبة كانت قاصرة. ومكمن القصور ليس في قلة فهم صاحب الفكرة بالمعنى العام لمصطلح الهوية، ولكن في تفرد الهوية السودانية عن غيرها من هويات العالم.  فالهوية غالبا ما ترمز الى انتماء الشخص لوطن او جنس او ثقافة دون ربطها بالقيم والاخلاق. ان شعوب الزمن المعاصر تتغنى بانجازات ومكتسبات ملموسة فيغني البعض لمباني اسمنتية او الات حديدية بينما يغني البعض الاخر لجمال ارضه وانسانه. ولكن بماذا تغنى السودانييون؟

لو عدنا الى الفلكور السوداني فاننا سنجد اعداد لا تحصى من القصائد والاغاني والاهازيج تشبه في المضمون هذه القصيدة:

الفينا مشهودة عارفانا المكارم انحنا بنقودا
الزول بفتخر يباهي بالعندو 
نحن اسياد شهامة والكرم جندو
ما في وسطنا واحداً ما انكرب زندو 
البعجز بيناتنا بنسندو
للجار والصديق عشرتنا تتمنى
بنصون الأمانة السيدا أمنا

وهذه ايضا:
أيها الناس نحن من نفر عمروا الأرض حيث ما قطنوا
ردد الدهر حسن سيرتهم ما بها حطة ولا درن
دوحة العرب أصلها كرم والى العرب تنسب الفطن

وهذه:
نحن اهل العوض حافظين عهود ما خنا
للجار والعشير بالشينة ما استعجلنا
بيوتنا مسيد ضيوف زمن العدم ما بخلنا
واثبين كالاسود من واجبة ما اتماهلنا
حافظين لسان حافظين كرامة اهلنا
سايرين سير كرام لمن نلاقي اجلنا

وهذه: 
عاجبني الكريم البسند الضعفان
رباي اليتامى ومركز الضيفان
--------------------------
من ما قام صغير ما بمشي في الفارغات
للجار والعشير هو الدخري في الحوبات
ستار العروض البرفع الواقعات

ان المتامل في الثقافة السودانية يجد ان السودانيون (كانوا) يربطون هوياتهم بالقيم وان الاخلاق كانت جزءا لا يتجزا من ماهية الانسان السوداني. ولو كان تصرف راعي الغنم موقفا بطوليا يستحق الاشادة والاعجاب في زمننا هذا فاننا يجب ان نذكر ان هذا الموقف كان وحتى زمن قريب جدا تصرفا فطريا معروفا للانسان السوداني كمعرفته لجلابيته ومركوبه. ان انعاش الهوية يجب ان يقوم ليس على الاحتفاء بتنوعنا العرقي فقط، ولكن يضاف الى ذلك نفض الغبار عن الصفات الاصيلة التي ميزتنا عن جميع اقراننا في عالمينا العربي والافريقي.

تعليقات

المشاركات الشائعة