آمال الكبار وأحلام الصغار

لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن أتفاجأ عندما تكشف لي صغيرتي سارة عن عِظم ما تحلم بتحقيقه عندما تكبر. فأحلام الصِغار لا سقف لها، كما أنّ من المعلومِ أن إبن البطِّ عوّام فأُسرتها مليئة بأمثلة رائعة لسيّداتٍ عظيمات شغلن مقاعد البرلمان وأسّسن لتعليم الإناث في الأقاليم وأَدَرنَ أعمالهُنّ الخاصّة بأمانةٍ وإقتدار. لكنّ حُلُم سارة كان أبعد مما تخيّله عقلي وتأمّله قلبي فقالت لي: بابا....أنا عاوزة أكبر عشان أغسّل العِدّة!


بعد أن جفّت دموع الضحِك من عيني، بدأت أتأمّل بِجدٍّ كلام فتاتي الصغيرة وعدت إلى أرشيف ذكرياتي لأُقارن أحلامي آنذاك بأحلامها اليوم وأوازن أدائي اليوم بما أسمو إلى أن تطاله هي في الغد. إستَرجَعتُ أنّني كُنت أطمحُ أن أصير سائق باصٍ سياحي على خط الخرطوم سِنجة. كيف لا وقد أذهلتني حينها مهارة سائق الباص الذي كان يستطيع وبكل ثقة تجاوز شاحنة على طريق الموت (البعض يسميه شارع مدني) والعودة إلى الجانب الصحيح من الطريق قبيل ثواني من وصول اللّوري المُسرع في الإتِجاه المعاكس وفي ذات الوقت مُراوغة الحَمير والكِلاب والتُيوس التي تتهادى عن يمين الشارع ويساره كأنّها جموع مُشجّعين تُتابع رالِياً للشاحنات والبصّات واللّواري وعربات الكارّو. والأهم من كُلّ هذا وذاك قُدرته على القِيام بكُل هذا وذاك بينما يده اليُمنى مشغولةٌ بِحمل كوب مليئ بالشاي الساخن الذي يقرُب أن ينسكب على عِدّتِه الخاصّة كلما ناور بالباص حُفَر الشارع ومطبّاته!


وحلِمت في صغري أيضاً بأن أجمع بين أربع زوجات. ولم يكن سبب هذا الطموح الشغف بالنساء أو جموح رغبة التناسل فقد كنت وقتها بريئاً براءة الحِملان، ولكن أردت أن أُريح ضميري و أفُكّ حيرتي. والقِصّة أنّني كُنت قد تبادلت مشاعر إعجابٍ مع أربعٍ من فتيات الزُقاق. فلمّا عجِز عقلي الصغير عن التمييز وشقّ على قلبي الرهيفُ شوكَشة أيّا منهن، عقدت العزم على ممراسة حقي في إتّخاذ مثنى وثُلاث ورُباع. عُدت من رحلة الماضي هذه مُنشرح الصدر مُطمَئنَ الفؤاد فعلى ما يبدو أن أحلام الصغار تبقى أحلاماً. ولو أنها صارت خلاف ذلك فبدل كتابة هذه الكلمات لكنت الآن أراوغ النِعاج والقطط واللّواري على شارع مدني ولكان تحت مقعدي أربعةُ أكياسِ خضار! 


عثمان بكري                 

تعليقات

  1. A much-needed breath of fresh air, thank you Osman :)

    ردحذف
  2. Nice essay, you made me LOL with that marriage fantasy. When I was young, I was sooooo passionate about being IMAM MASJID, I was dead serious about that accepting no arguments, when my parents convinced me that this is not a a job, I said "fine, I will be a doctor but I will still be imam jam3 at the same time", and here I am, half a doctor in USA (at least I fulfilled 25% of my childhood dream). Likewise you achieved 25% of some of your dreams, good luck with the rest of the 75%.

    ردحذف
  3. When I heard the news of the 1989 coup I decided then and there that I will one day come to power in a COUP...nothing else! My mind was mesmerized by how one man can overthrow a government.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة