العلاقة بين الشباب والاحزاب: سياسة سد الانف


لن اناور واحاور كثيرا فالموضوع اهم من ان ينمق بالبلاغة والسجع. وخلاصة الكلام ان الاغلب الاعم من الشباب السوداني اليوم "بطنه طامه" من الاحزاب السياسية. اسبابهم كثيرة ومقنعة ولكن ساحاول ان اقنعهم بان الانخراط في العمل السياسي هو شر لا بد منه بل وفرض عين على كل شاب وشابة خصوصا في هذه الفتره الحرجة. اوجز الاسباب في نقاط حتى نخلص الى النتيجة:

١. ان الحقيقة المرة ان تعدد الاحزاب هو ركن من اركان الديمقراطية، فالاصل في الديمقراطية البحته ان يكون كل مواطن حزب منفرد وله مقعد خاص في مجلس الشعب ولكن لتيسير العملية ابتكر نظام التمثيل فقلت الاحزاب من ملايين الى عشرات .

٢. ان التغيير في السودان سينتج عن احد طريقين لا ثالث لهما: اما صندوق الاقتراع او ميادين الانتفاضة. اما السيناريو الاول فلن يتحقق الا بواسطة احزاب منظمة تملك موارد بشرية ذات دماء جديدة. واما السيناريو الثاني فلا يحتاج لاحزاب لوقوعه ولكن تاكد ان الحزب الاكثر تنظيما وجاهزية قبل الثورة هو من سيحكم البلد لفترة تدوم وتدوم وتدوم بعد الثورة. والمختصر المفيد هنا ان في كلا الحالين فان صلاح البلد يبدا بصلاح الاحزاب.


٣. قانون نيوتن للحركة يقول بان الجسم الساكن يبقى ساكنا والمتحرك متحركا ما لم تؤثر عليه قوة تغير من حالته. ما يريد نيوتن ان يقوله هو ان الاحزاب السودانية لن ينصلح حالها مالم يغيرها عامل جديد. ولكن هذا العامل الجديد يجب ان يتوغل في داخل المنظومة حتى يستطيع التاثير على الجسم ومثال ذلك ان الانتبيوتك* لا يعالج التهاب الحلق حتى يدخل في شرايين الجسم. والعبرة هنا ان سد الانف لا يغير رائحة المكان ولكن تشمير السواعد للتنظيف والتعقيم يحل الاشكال جذريا.

٤-هناك طريقين للانخراط في العمل السياسي من اجل التمكن من الساحة السياسية وسحبها من تحت بساط الفئات منتهية الصلاحية: الطريق الاول يكون بالتاسيس لاحزاب جديدة، اي البداية "من الاول تاني". اما الطريق الثاني فهو التغلغل افقيا وراسيا في الاحزاب القائمة وتغييرها من قواعدها الى رؤوسها. وكلا الطريقين في نظري سليم ما دام الهدف والتخطيط سليمان. ولا اظن ان يكون هناك اشكال في توفر الموارد البشرية اذا توفرت النية والتكتيك.  

٥-قد يبدو لك ان مايطرح هنا هو صعب المنال، والحق انك على صواب. هو فعلا صعب المنال. وحتى لو كان هذا من الممكن فانك تقول في نفسك انه سيحتاج من الوقت سنونا وعقود. ولكن اسال نفسك: هل هناك شيئ من الاشياء العظيمة من حولك ما لم يكن يوما حلما بعيد المنال؟ ان الاشياء العظيمة تحتاج لجهد لا يعرف الياس ولأيدي لا تعترف بالمستحيل. واسال نفسك عن الوقت الذي ذهب من عمر الوطن سنونا وعقودا ينتظر ضربة بداية العمل في مشروعه، هل ندعه ينتظر لجيل اخر بعدنا؟ هل نخذله كما خذلته الاجيال التي سبقتنا؟ سؤال اطرحه عليك فارجوا ان تجيب عليه لنفسك. 

تَحزَّب، ليس بالمعنى السلبي الذي يدعو الى التبعية والولاء الاعمى، ولكن تَحزّب بالمساهمة الايجابية واثراء الافكار والموارد الحزبية فلا ديمقراطية قوية بلا احزاب قوية.  

*هذا المقال ليس مرجعا طبيا كما ان صاحبه غير مسؤول عن اي استخدام خاطئ لمضاد حيوي ينتج منه اي ضرر مادي او معنوي. 

تعليقات

  1. رائع بما تعنيه الكلمة.. ولكن يا أخ عثمان موضوع اﻷحزاب في السودان خاصة والعالم العربي عامة، ميؤس منه.. ﻷننا شعب نرتضي الذلة والعبودية لغير الله.. فتخضع اﻷحزاب إلى ضغط كبير من الحزب الحاكم.. فتصبح مرآة للحزب الحاكم ولكن بإطار مختلف.. فلا يوجد حل غير اﻹنتفاضة !

    ردحذف
  2. تحليل منطقي وجميل يا عثمان وشكرا على "المنشن"

    أفضل أن تقوم ثورة على أن تشكل أحزاب جديدة أو إحداث تغيير شامل في الأحزاب الحالية بالانضمام إليها.

    السبب الرئيسي لإصراري على خيار الثورة هو ضعف المشاركة الشعبية في الحياة السياسية. بالرغم من وجود شباب مهتم بالواقع السياسي السوداني في مواقع التواصل الاجتماعي إلا أن هذا الشباب برأي يشكل أقلية من الشعب. شهدنا في يونيو الماضي جهود رائعة وشجاعة تستحق الاحترام والتقدير لهذا الشباب إلا أن تفاعل الشارع معهم كان ضعيفا نوعا ما.

    لا يمكن أن تنجح ثورة سلمية تبدأ من العاصمة وتمتد إلى كافة ربوع السودان دون تضحيات تبذل ودماء تسيل من أجل أن يعود الأمل والإصرار عند الشعب في الحصول على حقه في العيش بحرية وسلام وعدالة. ستكون هذه التضحيات بمثابة الحافز أو الواجب الأخلاقي عند الشباب وكافة فئات المجتمع للانخراط في الحياة السياسية وبث دماء جديدة تستبدل الدماء الفاسدة التي احتكرت المشهد السياسي لعقود من الزمن.

    صحيح أن تنظيمات ما قبل الثورة هي الأوفر حظا في الوصول إلى السلطة بعد قيام الثورة ولكنني أعتقد أن الفترة الانتقالية كفيلة بأن تشكل أحزاب جديدة تحمل مبادئ الثورة ويشتد عودها حتى تصل إلى الحكم وتعمل على تحقيق أمال من قام بالثورة دون انتهازية أو إقصاء. المهم حاليا هو أن ينشط الشعب لكي ينجح في إزالة النظام الديكتاتوري الحاكم

    لذلك أعتقد أن الناشط السياسي غير المنتمي لحزب سياسي هو طائر بجناحين هما آراءه وانفعالاته وسماؤه هي الساحة السياسية ولكنه يفتقد إلى العش الذي سيعود إليه بعد أن تنجح الثورة.

    ردحذف
  3. مقال مميز وتحليل أكثر من رائع كالعاده، وبالفعل تنظيمات ماقبل الثورة هي الاوفر حظا للوصول لسدة الحكم حتى وان كانت باسماء جديده

    بمعنى آخر، لن يكون هناك أحزاب جديدة بل هي نفس الأحزاب مع تغيير في الأسماء والرموز،ذلك لأحزاب ما بعد الثورة بالطبع، أما بالنسبه لانشاء أحزاب جديدة في الوضع الراهن فهي بالتأكيد ستكون مخترقه التنظيم وكلها أفراد أمن من نظام الحكم

    بالنسبة لي الأكثر منطقيه هو الانتماء لاحد الأحزاب والتغلغل كما ذكرت والتجديد في الدماء والأهداف العامه للحزب، المشكله تكمن أن أغلب الأحزاب طائفيه! والأحزاب الغير طافيه ليست بجاذبه!! .. الموضوع أكثر من معقد!!

    أنا كنت أعتقد أني ناشط حقوقي، أأدي واجبات المواطنه وأطالب بحقوق المواطنه حالي كحال القليل من السودانيين، البقيه يؤدون واجباتهم ولايعرفون معنى حقيقي لحقوق المواطنه

    ختاما أتفق مع مازن في انعدام العش.

    ردحذف
  4. حقيقة المقال واقعى جدا جدا ...لدرجة تدعو الى التشاؤم ولكن ارجو ان لا يتكرر خطاء الطبقة المستنيرة (مؤتمر الخريجين )يوم انقسم الى احزاب طائفية ومنذ ذلك اليوم توالت الهزائم الحزبية والتاريخ خير شاهد ...ولكن ماهو الحل ...لقد اتضح لنا ان هؤلاء يأكلون فى غير خريفهم ويسقوننا مرا جميع الاحزاب بما فيها الحزب الحاكم فشلت فى وضع رؤيه مستقبلية للوطن لانها تفكر بعقلية بالية او متصدعة اذن الحل فى ال
    كما فى سائر البلدان الناميه young professionals (YPS)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة